إلى سيّدي: يتيم الله !






                                            

                                                          

                                 -  إلى سيّدي: يتيمُ الله !


أجرُّ الآنَ - يا نبيّ الله - ما استطعتُ من الأحرف ، أقدّمها متذلّلةً أمامَ بهاءِ حضورك ، ولا أراها - ولا أودّ أن أراها - إلّا منحنيةً ، مُثقلةً بكل ما في الأرض من شوقْ ، مُرسِلةً صادِق أدْمُعِيَ الفائضة بحنينٍ جليلْ

تروقُ ليَ الحكايةُ دائمًا .. عندما تتسابقُ محابرُ الشعراء و مخيّلاتهم و تجيّشُ بأقلامها المدائحَ و القفيّ ، ثمّ تصطدم بهيبة فضلك . أشكّ أنها تنهار كأنها لم تكنْ . وما كَعبٌ و سُعَادهُ أمامكَ يا محمد ؟


سيّدي . أتوهُ واللهْ ، و أذكركَ فتلتقي فيَّ الطرقْ . تتجمّد في عينيَّ كلُّ المعاني ، فإذْ بها تتحررُ إذا لاحَ اسمكْ . تستلقي على قلبي كلّ الهزائمِ فتنتشلها كلماتٌ رُويَت عنك . أقلّب في الدنيا عن كلّ منقبَةٍ ، فأبتدئ منك و أنتهي إليكْ  . و يا للحنين الذي ينافسُ رمضاء مكة ! إني بحقّ أشتاقُ لك . و يا للخيبة السوداء ألّا أراكْ



تواتَرَتِ الأممُ ، و تنافسَ المتنافسونَ ، و تنازعوا ، و تعاظمت أقداُر الملوك ما بين تُبّعٍ يمانيّ و كسرى فارس - و الكثير -  فما بلغ أحدٌ مبلَغَكْ . ولا اقتربَ كلّ ذي شرفٍ من شرفكْ ، ولا اعتلى كُل ذي نسبٍ فوق نسبك ، و ازدانتِ الدنيا بمقدمكْ و ابتهجت الأرض لخير مولد . آهِ لو تعلم آمنةٌ ما صنعَ ابنها ، و من كان ! كان الذي في بطنها مصطفىً من بين كل الذين حطّت أقدامهم و من ستحطّ . لم يكن في بطنها إلا أكرم جنين . الذي اهتزت عروش الجبابرة لمّا أذِن الله لشمسه أن تُشرق . لم يكن ذلك الطفلُ إلا أطهرَ من حوَت المهود .


يا ذا المبادئِ اللآئي رستْ ثابتَةً ما أمَالَهَا تناوب أذى الأعداءِ عليها ، يا ذا المبادئ التي ما ذابتْ أمام أهواءِ عتاةِ العرب ، ولا انهارت أمام مغرياتِ الغنى ، ولا تفتّتَ - وَلَوْ جزءٌ منها - أمامَ عروضِ اختفاءِ الفقرْ . و صَدَقَ البيتُ القائل: "ذُو مبدئٍ لا تهزُّ الريحُ منكِبَهُ .. و للرياحِ هبوبٌ ذاتُ ألوانِ" يا أيها الحالف بالله أن لا تترك دعوة التوحيدِ حتى لو قدّموا لك الدنيا ، و تولّيتَ الحكمِ فيها: ما أعظمك .

يا رسولَ الله . الصلاةُ و السلامُ عليكْ . تبعثرتِ الكلماتُ في صدري ، ولم يكن لها أن تتبعثر دونَ أن أجمَعَ منها ما يُقال ، و ما قولي لك و عنك بزائدٍ من قدركْ ولا مُعلٍ من مكانتكْ . أكتبْ لك لأن الكتابةَ عزاءْ ، أكتب لأن الحسرة - كلّ الحسرة - تسّاقط عليّ لأني لم أكنْ معكَ بالأمس . لم أكنْ حتى من الذين تلذذت أعينهم بنظرةٍ واحدةٍ إلى وجهك ، ولا من الذين انسابَ صوتكَ في أذانِهم كنهر . ما أحوجني إليك . وما أحوَج كلّ قلبٍ إليك . و كم أنا مُثقلٌ بالصبرْ ! صبرٌ يجرّ القلبَ في طريقٍ تتسابق فيه الدموع ، طريقٍ يحفّه توقٌ يتعاظم ، حتى أراكْ . و من أنا ؟ لستُ  كمن كانو حولك . يلفّني ستر الله الذي - و الحمد لهُ - لم ينكشفْ . كثيرٌ زلَلَيْ ، ولا أظن أنْ هذا ما يجلبُ رضاكَ ، و لكنَّ ظنّي لا يخطئُ في رأفتكَ بقلبٍ تتقاذفه اللهفة إليكْ . أحبّكَ كثيرًا 


                                                                                                                                          سالم
                                                                                                                                  31 - 10 - 2018

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

طفل علّيين - جاسم الصحيح

تغريدات الدكتور عدي الحربش وحديثه عن ديوان ( الأهلّة ) و شاعره محمد عبدالباري .

صورة العرب و الإسلام في وسائل الإعلام الغربية - محمد عابد الجابري